الاثنين، 6 يناير 2014

ضمانات المتهم

                                                                                         
     لايخفى على سيادة احد من المختصين بالقانون من ان المتهم برئ حتى تثبت ادانته , اليس كذلك ؟ فهو – أي المتهم - يبقى محتفظا ببرائته حتى يقام الدليل على عكس ذلك , وهذا من ضمانات المتهم التي اقرتها الدساتير كافة العالمية والعربية ومنها العراقية قديمها وحديثها , فاذا ما اتهم شخص بارتكاب فعل جرمه القانون يبقى هذا المتهم بريئا حتى يثبت العكس من خلال مايتخذ من اجراءآت تحقيقية بحقه , ابتداءا من استقدامه او القبض عليه ومرورا باستجوابه ومواجهته بما توفر من ادلة ضده من قبل القضاء والاستماع الى جوابه عنها , وهو ينتقل من مرحلة  الى اخرى اثناء ذلك , فضمانات التحقيق معه ومقاضاته محفوظة كفلها الدستور اولا ثم القانون , باعتبار انسانيته اولا وافتراض براءته ثانيا , واذا كان المحكوم وهو من ثبتت ادانته له من الحقوق ما لاي انسان باعتباره بهذا الوصف اسيرا بيد القانون , فكيف لا بمتهم لم تثبت ادانته بعد كي يحكم عليه ؟ فهو من باب اولى جدير بذلك .    
     لقد وضع القانون العديد من الضمانات التي تحفظ حق المتهم في الدفاع عن نفسه لاثبات برائته امام القانون وامام من اتهمه فهو ابتداءا صفحة بيضاء خالية من أي نقطة سوداء تشير الى أي سلوك اجرامي فيه مالم يثبت خلاف ذلك , فحق المشتكي قائم في اثبات ذلك يقابله حق المتهم محفوظ في نفي ذلك , فنقل الدعوى احدى تلك الضمانات , لكن كيف ؟ ومتى ؟ والى اين ؟ فالامر فيه بعض من التفصيل قد يخفى على الكثير ممن يجهل القانون بما نص و اوجب .
     لما كان حديثنا عن المتهم وما قرر له القانون من ضمانات في حقه في الدفاع عن نفسه فاننا ازاء قانون جزائي (قانون العقوبات) ليس الا , وهو القانون الذي يحدد سلوك وافعال الانسان الممنوعة , لذا فهو قانون يعتبر استثناء على الافعال التي تعتبر مباحة , فكل فعل او سلوك يقوم به الفرد هو مباح الا ما استثناه قانون العقوبات وهو احد القوانين الجنائية , وبالتالي رتب هذا القانون (العقوبة والجزاء) على من يقترف هذا الفعل الذي استثني من الافعال المباحة مصداقا للقاعدة الجنائية القائلة : (لاجريمة ولا عقوبة الا بنص) , وبمعنى اخر فان القانون يجب ان يحدد الافعال الممنوعة كما يحدد العقوبة على مقترفها ليكون الفرد على بينة من امره وهذا مصداق لقوله تعالى في كتابه الكريم في الاية 15 من سورة الاسراء  ( ... وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) .
     لم يكتف القانون باستثناء بعض الافعال واعتبارها محرمة وترتيب الجزاء على مقترفها , بل وضع قواعد واصول في تحديد المحكمة المختصة باجراء التحقيق اوالمحاكمة لاتخرج خارج اختصاصها او صلاحيتها المرسومة لها , ونحن بصدد قانون تكون الدولة فيه صاحبة سلطة وسيادة في ايقاع الجزاء بحق المذنب تعتبر هذه الصلاحيات والاختصاصات من النظام العام التي لايجوز الاتفاق على خلافها , ومنها الاختصاص المكاني .
     فاختصاص المحكمة (تحقيق , جزاء) مقيد في اختصاصها المكاني لاي جزء مكون للفعل الجرمي المرتكب ضمن دائرتها المكانية , لذا والحالة هذه فلايجوز نقل الدعوى خارج صلاحية تلك المحاكم , والقول بغير هذا هو عبث وخلط بالاوراق وتضليل للقضاء , ولايقتصر اختصاص المحكمة على مكان وقوع الجريمة , او أي فعل من الافعال المكونة لها بما يسمى الاختصاص المكاني (وهو مايعنينا في مقالنا هذا ) , حيث ان هناك من الاختصاصات الاخرى مايقيد المحكمة ايضا , كالاختصاص النوعي والاختصاص الوظيفي .
     فوقوع جريمة ما او أي فعل مكون لها في منطقة ما , تكون محاكم تلك المنطقة هي المختصة بالنظر في تلك الجريمة تحقيقا او محاكمة , هذه هي القاعدة العامة في اختصاص المحكمة المكاني .
     الا انه – ومن صريح القانون ومن قبيل الاستثناء من الاصل بسبب ظرف ما - يجوز نقل الدعوى من اختصاص قاضي تحقيق الى اختصاص قاضي تحقيق اخر بامر من وزير العدل او قرار من محكمة التمييز او محكمة الجنايات ضمن منطقتها (اذا اقتضت ذلك ظروف الامن او كان النقل يساعد على ظهور الحقيقة) (م55 اصول جزائية) , كما يجوز نقل الدعوى من اختصاص محكمة جزائية الى اختصاص محكمة جزائية اخرى بنفس درجتها بامر من وزير العدل او بقرار من محكمة التمييز او محكمة الجنايات ضمن منطقتها (اذا اقتضت ذلك ظروف الامن او كان النقل يساعد على ظهور الحقيقة) (م142 اصول جزائية) . الا انه ومما يجدر ذكره واستقراءا لفقه القانون ومنطقه السليم يوجب على المتهم - لتطبيق احكام هاتين المادتين - ان يمتثل لاوامر القضاء بالمثول امامه وتقديم طلبه بهذا الشان ويكون حينئذ لكل حادث حديث والبحث في توافر شروط الطلب من عدمه , والمصلحة في ذلك , لذا فلامسوغ  قانوني للمتهم – ابتداءا - ان يتشبث بالاستثناء عازفا عن الاصل وهو لازال خارج قبضة العدالة , لذا نقول , هل للقانون بيننا من مكان ام لا ؟ .  اقول قولي هذا من سطور القانون ومواده واستغفر الله لي ولكم في المقصود .
 

                                                                       القاضي رياض الامين
                                                                                                                       

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق