الخميس، 23 يناير 2014

الوصيةُ
بين الواقعِ والتطبيقِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
     (الوصية شرعا , - عقد -  يفيد تمليك عين او دين او منفعة بلا عوض تمليكا مضافا الى مابعد موت الموصي )(1) وهي :( تصرف في التركة مضاف الى مابعد الموت مقتضاه التمليك بلا عوض)(2) , وهي ايضا : ( ايصال تصرف الشخص في حياته الى مابعد الموت )(5) , وهي ايضا :( تمليك عين او منفعة بعد الوفاة )(6) , وهي مصدر (وصى يوصي توصية ) , أي (عهد يعهد عهدا) ومن هذا يتضح ان صيغتها غير منجزة , ذلك لان اثرها يتراخى الى مابعد موت الموصي , كونها مضافة الى المستقبل وقد قيل بوجوبها لاستفادة ذلك من لفظة (كتب) بمقدار ثلث مال الموصي , فقد سئل ابوعبدالله الحسين (ع) : عن الرجل يموت ما لََه من مالِه ؟ فقال: له ثلث مالُه . وسئل ايضا : ما للرجل عند موته؟ قال : ثلث ماله , وان لم يوص فليس على الورثة امضاؤه .
     وقد شرعت الوصية لتمكين الفرد من تحصيل الخير في الدنيا ونوال الدرجات العلى في اليوم الاخر على سبيل الاستحسان لحاجة الناس اليها , خصوصا وان الانسان مغرور بامله , مقصر في عمله .
     وليس لاحد تبديل الشئ الموصى به لقوله تعالى (فمن بدله بعدما سمعه فانما اثمه على الذين يبدلونه )(7) , اذ هي حق على كل مسلم حيث لاينبغي له ان يبيت الا و وصيته تحت راسه وعن نبينا الاكرم محمد(r) : (من مات على وصية حسنة مات شهيدا ), اذ ان من لم يحسن وصيته كان ذلك نقصا في عقله ومروءته , وعن امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع): (ان من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية) وتجب الوصية في كل حين سيما اذا ظهرت امارات الموت بايصال ماتحت يده من اموال الناس من الودائع والامانات الى اهلها خصوصا اذا اخفيت عن الورثة مضافا لذلك ما عليه من حقوق شرعية كخمس او زكاة او رد مظالم لم تسع سنوات عمره من ايفائها  .
     من هذا يتضح وجوبها اذ ان رد الامانات والودائع - التي لم يكن يعلمها الورثة- الى اهلها واتمام تنفيذ العقود والعهود التي التزم بها المتوفى حال حياته وكذا اداء ما عليه من حقوق شرعية او رد مظالم حالت المنية دون اتمامها امر واجب شرعا لايصح تركه لذا يعهد المرء الى اخر بتنفيذ ما يوصي به لذا تسمى بالوصية العهدية , ولا خلاف على وجوبها شرعا  على خلاف الوصية التمليكية التي ينشئها الموصي تبرعا منه بامواله للغير ولا اعتبار لوجوبها عليه بل على الوصي تنفيذها اذ قبل الوصية ليس الا  .
     ولما كانت الوصية(بقسميها: العهدية والتمليكية) عقدا كمصدر من مصادر الالتزام الذي التزم به الموصي قبل الموصى اليه  حين اوصى له حيث ينتقل الالتزام الى الورثة وكذا التزام الوصي قبل المتوفى وورثته من جانب وقبل الموصى له من جانب اخر بتنفيذ هذه الوصية سواء اكانت تلك الوصية عهدية او تمليكية فيسري عليها والحالة هذه ما يسري على العقود من اركان (رضا , محل , سبب) اذ لا اشكال في احتياج الوصية الى ايجاب تنشا به ويقع بكل مايدل عليه من لفظ صريح لكنه عقد من طرف واحد تحكمه الارادة المنفردة عند انشائه .
     ولما كان الفرد يعيش بين ابناء مجتمعه يتبادل اثناء ذلك علاقاته معهم ملتزما اوملزما بين ان يكون دائنا اومدينا , ولما كانت المنية حق عليه لايعرف ساعتها اذا حان اجله ، لذا فقد اوجب الشارع المقدس عليه اعداد تلك الوصية ابراءا لذمته حين لم يسعه عمره ايفاءا لما عليه اواستردادا لامواله سيما وان العلاقات الاجتماعية بما تتضمنه من عقود والتزامات متبادلة بين الجانبين لازالت قائمة حتى وافاه الاجل وبذا لاينبغي للفرد ان يترك الامر دون ايصاء منه لما  اتمه وما لم يتمه والا فقد كان التشريع المقدس عبثا وهو مالا يقبله العقل السليم حين اوجب الوصية عند حلول المنية , وحيث لايمكن للفرد ان يعرف وقت حلول اجله لذا فقد تعين عليه ان يستعد للموت قبل الفوت , ولاشك ان ما وجب عليه الايصاء هو في  الوصية العهدية ايفاءا منه لديونه وابراءا لذمته واستعادةً لحقوقه التي ستؤؤل الى ورثته بعد وفاته اذ لايصح فيها الخيار له بالترك او عدمه اما التمليكية فحيث انها تبرع من الموصي الى الموصى اليه يتراخى تنفيذه الى مابعد وفاة الموصي ولا يشترط قبول الموصى اليه فانه – أي الموصي- غير ملزم بهذا التبرع وله الرجوع عنه مادام على قيد الحياة اذ لم يتم تنفيذه لعدم تحقق الوفاة بعد , وعلى هذا فلا يمكن لورثة الموصي الرجوع عن هذا التبرع بعد وفاة مورثهم حيث ان مورثهم الزم نفسه قبل الموصى له وان الوفاة كانت سببا وشرطا لتنفيذ الوصية مالم يزد المال الموصى به على ثلث التركة الا باذن الورثة ويمكن في مقابل ذلك قيام الموصى له برد ما اوصي اليه كلا او بعضا .
     فعهد الموصي للوصي بتنفيذ الوصية هو موافقة من الموصي لايفاء ديونه ابراءا لذمته او تكليفا له لاستحصال حقه المتراخي الى مابعد الموت , وذلك لايشترط موافقة الورثة بل موافقة  (الوصي) كون الاخير ليس طرفا في العهد بل مكلفا بتنفيذه عند قبوله هذا التنفيذ وان زاد ذلك على ثلث التركة اذ ان دين المتوفى يجب ايفاءه اولا اذ (لاتركة الا بعد سداد الديون)                     
     ان الايجاب من الموصي هو الركن الوحيد لعقد الوصية ولا يقتضي ارتباط ذلك بقبول من الموصى له(3) . الا اذا رده الاخير .
     وقد تايد ذلك في بعض القوانين الوضعية منها قانون الاحوال الشخصية العراقي 188/1959في المادة 65 منه حيث لم يعتبر الوصية الا بدليل كتابي موقع من قبل الوصي او مبصوم بختمه او طبعة ابهامه مع وجوب تصديق ذلك اذا زادت الوصية عن مقدار معين (4) أي انها تنشأ بارادة منفردة وبذلك لم يعتبر القبول ركنا في الوصية بل شرطا للزومها كي تثبت الملكية بمقتضاها كونها عقد تبرع مع توافر الشروط الكاملة للمتعاقد ووجوب وجود الموصى له حقيقة او تقديرا ومعلوما غير مجهول جهالة فاحشة حين انعقاده ولا ضير اذا توفي الاخير بعد ذلك فلورثته وهم خلف له المطالبة بتنفيذها , كما يجب ان يكون الموصى به قابلا للتمليك بعد موت الموصي باي سبب من اسباب الملك وغير مخالف للشرع او القانون كما تصح الوصية بالمنافع ايضا لان التمليك يشملها اجارة كانت او اعارة .
     مما تقدم نجد ان الوصية (عهدية , تمليكية) وقد اوجبها الشارع المقدس على خلقه لابد وان يكون الموصى به مملوكا للموصي اذ لاتصح الوصية بمال الغير حيث حصرت الوصية بالمال لقوله تعالى (كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت إن ترك خيرا الوصية ) فالمراد بالخير (المال)(8) وما الايصاء في العبادات من صلاة و صيام او حج وزيارة الا وصية بالاموال ايضا لذا فليعلم الموصون ان ماعدا ذلك لاتجوز به الوصية لخروج الموصى به اما عن وعاء الوصية وهو (المال) او خروجه من ملك الموصي لتعلق حق الغير به , فكيف اجاز موصٍ لنفسه ان يعهد الى اهل بيته ويوصيهم بتزويج ابنته بعد وفاته لزيد دون عمرو (وما اكثر ذلك في مجتمعنا) او يوصيهم بتنفيذ تبرعه بعد وفاته بجميع ماله - الذي لم يعد يملك الا ثلثه بعد وفاته- الى (فلان) واذا لم يكن ذلك جائزا فكيف يجيز لنفسه ان يوصي بما لم يملك , تبرعا منه للغير !؟ لذا فياأخي المسلم المؤمن لنستعد قبل الفوت وحلول الموت ان نعرف ما اوجبه الشارع المقدس علينا فاحكام ديننا الحنيف لاتتعلق بالعبادات فقط  بل ان المعاملات وما تتعلق بها من احكام لها بالغ الاثر في مايسال المرء عنه يوم تقوم الساعة وما اصدق قوله (r) حين سئل : ما الدين يارسول الله ؟ فاجاب : (المعاملة) وفي خبر , اجاب (النصيحة) فوصية المؤمن جزء من معاملته في مجتمعه الذي يعيش فيه ويتعامل معه ! ولما كان كذلك فمن منا وضع ذلك موضع التطبيق كما انزله الشارع المقدس على صدر رسوله الكريم (r )وحمله لنا ائمتنا الاطهارu وهم وعاء علمه وحفظته لذا فالحديث نصيحة ولا يسعنا في ختام القول الا ان نقول (اللهم قد بلغت فاشهد) والسلام على من اتبع الهدى ...



                                                                                         القاضي
                                                                                          رياض محسن الامين

الهوامش
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-  احكام الاحوال الشخصية في الشريعة الاسلامية وما يجري عليه العمل في المحاكم الشرعية الاسلامية اللبنانية . ص 370
2-    م 64 من قانون الاحوال الشخصية العراقي 188/1959
3-  احكام الاحوال الشخصية في الشريعة الاسلامية وما يجري عليه العمل في المحاكم الشرعية الاسلامية اللبنانية . ص 372
4-    تراجع المادة 65 من القانون المذكور
5-    نخبة الاحاديث في الوصايا والمواريث – الشيخ محمد ابراهيم الكرباسي –ج 1 , ص 109
6-    نخبة الاحاديث في الوصايا والمواريث – الشيخ محمد ابراهيم الكرباسي –ج 1 , ص 109
7-    النساء اية 10
8-    نخبة الاحاديث في الوصايا والمواريث – الشيخ محمد ابراهيم الكرباسي –ج 1 , ص 110. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق