الجمعة، 17 يناير 2014

بسم الله الرحمن الرحيم

وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون
                                     (  التوبة 104)

                                           ( جسور التعاون )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سئل احد المحامين الفرنسيين : ماذا تعمل لموكلك المتهم ؟ قال: اترافع عنه مدافعا امام المحكمة . فقيل له : واذا حكم عليه ؟ اجاب : اتقدم باستئنافي عنه فورا لدى محكمة الاستئناف ، فقيل له : واذا تايد الحكم ؟ قال : اذهب توا لتسجيل اعتراضاتي التمييزية ، فقيل له : واذا ابرم الحكم ؟ اجاب : اتقدم بالتماس العفو الى رئيس الجمهورية ، فقيل له : واذ رفض ؟ قال : اسير نفس السيرة مع المتهم اللاحق الذي سيوكلني ! (1)
     اخوتي المحامين الاعزاء ... هذا مثال عملي يقدمه لنا احد المحامين الفرنسيين المبرزين للهمة العالية التي يجب ان يتحلى بها القضاء الواقف ولا تطأطؤها الحوادث
     ان المحاماة في جوهرها افصاح وابانة وعلى ممتهنيها ان يتزودوا بزاد فكري مستديم من العلم والمعرفة لاتساع حدود المعارف القضائية وتنوع المهام التي توكل اليه فاذا لم يحالف ذلك حجاج قوي وعرض موفق اصبح عيبا لايبين بحس ولابنطق يريد ولا يفعل(2)
     ونحن هنا لانريد القاء محاضرة في اخلاق او ارشاد او توصية فالمحامي اكبر من هذا  لكنها(ماهي الا ذكرى للبشر )(المدثر،الاية31)
 وان مايعنينا من هذه الذكرى هو علاقة المحامي بالمحكمة ، فلاباس اذن من تقديم في الموضوع لاخوتي المحامين فانهم بلا شك القضاء الواقف المنادي بكلمة الحق وسلّ سيفه بوجه الظلم .
     ان من ضوامن النجاح في هذه المهنة : اولا ، الثقة بالنفس ، فينبغي على من يريد ان يضع العالم ثقته فيه ان لايبخس نفسه حقها ، حيث ان المحاماة فن رفيع والمحامي فنان اصيل ، ومن يعمل لفنه يجب ان لايتخوف الاوهام والاضاليل .
     ان المحاماة مهنة اجتماعية وكما قال المحامي(سيسرون) : (المحاماة نجدة ودفاع وليست سلعة تعرض في الاسواق لتباع ) كما انها تضحية للاخرين ولاشك ان ميدان التضحية لايكون معبدا على الدوام مالم تكن لأرادة الفارس المقدام اسهام في ذلك اذ ان اساس واجبات المحامي هو العمل على حسن سير الخدمة العامة وفي سبيل خدمة العدالة والمحاماة هي الاداة الحرة التي تساهم في تحقيق هذه الخدمة لذا فان الثقة بالنفس تصيّر المرء الى محمود النتائج .
     ثانيا :  وجوب الدرس والمتابعة ، فالقراءة تملأ الانسان والكتابة تعلمه الدقة والكلام يجعله مستعدا دائما ، اذ ان من مستلزمات المحامي الدراسة والتتبع والمثابرة على التحصيل من أي رافد من روافد المعرفة .
     ثالثا : السلوك والسيرة في العمل ، ومن ذلك فن الخصومة لان الخصومة الفنية هي خصومة شريفة تعتمد على سلوك وقواعد مهنية وادبية لايصح التفريط بها يستظهر كل طرف فيها على مقابله باسباب راقية ووسائل شريفة نبيلة بتبادلها الادلة والبراهين من غير فحش ولاسماجة وبطرق معلنة ظاهرة لامستترة وضيعة (3)
     رابعا : علاقة المحامي بموكله ، التي لابد وانك- اخي المحامي-  اول من يرجو ان يسود هذه العلاقة صلة قائمة على الاحترام والثقة المتبادلة وعليه ان يجمع في عمله نبله في خلقه وصدقه وامانته وليتبادل مع مجتمعه المنافع والخير العام والا يفرط المحامي بالاسترسال مع صاحب الدعوى ولا يتبسط معه في علاقة خاصة تبعده عن المهنة ناهيك عن وجوب اظهار عطفه وتسامحه وبره بالضعفاء من الموكلين ، و وجوب استقلال المحامي وعدم السماح للموكلين التدخل بشؤؤنه او المداولة معهم بتقليب وجهات الراي فالمحامي ذو فن واختصاص وبجب عليه الا يسمح لطفيلي القضايا من غير الموكلين التدخل بقضاياه .
     خامسا : وهو محور مقالنا هذا : (علاقة المحامي بالمحكمة ! )
اتعلم اخي المحامي انك رسول موكلك الى المحكمة ؟ فماذا عساك ان تكون ؟ اليس على من يكون سفيرا ان يحسن السفارة وعليه ان يولي المحكمة كل احترام واهتمام وتقدير ؟ لاشك ان الحرية مصدر السعادة للانسان ، فهل تعلم اخي المحامي ان العدل دوام هذه السعادة ( فالقاضي يحقق لنا معنى كبيرا هو احقاق الحق وفرض قوة القانون فبتبجيله هو تكريم لهذه المزايا مجتمعة .... )(4) فعلى المحامي واجبات وضعت منها قواعد الاخلاق باعتباره انسانا اولا  واخرى فرضتها واجبات مهنته باعتباره محاميا ثانيا فعليه ان يسلك تجاه القضاء مسلكا يتفق وكرامة القاضي (لمجرد القاضي) مبتعدا عما يجول بخاطره من مقاصد شخصية ضد ذلك القاضي وان يبتعد عن كل ما يخل بذلك او بسير العدالة او يؤخر حسم الدعوى ،( ان الاستقلال القائم على الاحترام الذاتي المتبادل في ممارسة الواجب المهني لكل من القاضي والمحامي ودورهما في تحقيق العدالة للمتداعين هو الاساس الوحيد اللائق للتعاون بين القضاء والمحاماة )(5) ، عليه فان هناك دوافع حقيقية اساسها العدل ومبدأ حسن النية يجب على المحامي ان يتحاشى احراج القاضي بكل مايؤدي الى اساءة فهمها من قبل الخصوم خشية ان تفسر ضد مبدأ حياد القضاء ان اساس ذلك مصدره التزام المحامي بقسمه الذي يؤديه بكل امانة وشرف وان يحترم القانون ويحافظ على سر المهنة ويرعى تقاليدها وآدابها ، وان يظهر بمظهر يليق بكرامة المهنة ومكانتها (6) وان يتقيد بالحضور بالمواعيد المحددة للجلسات والمرافعات وان يسهل مهمة القاضي ويراعي وقته بالدخول مباشرة في موضوع الدعوى وان يتحاشى تقديم الطلبات او اتخاذ الاجراءات بهدف تأخير الفصل في الدعوى وان يراعي ظروف زميله المحامي كلما امكن ذلك (7) ، وليس اكره على القاضي من المحامي المهذار الذي يبعثر الادلة التي يستند اليها في ادعائه او دفعه ولا تعرف نهاية لاقواله حيث تجب معاملة هذا المحامي بكثير من الصبر والحذر (8) وما على المحكمة الا تسلّم امرها الى الله وتتعامل معه بهدوء الدم والاعصاب او قد يريد لزوم مالايلزم باثبات قواعد قانونية تحكم النزاع هي في الواقع لاحاجة لاثباتها من جانب المدعي لان القاضي يعرفها فيأخذ في ذلك من وقته ووقت المحكمة وقد جرى القول في المبدأ العام في القانون الفرنسي : ايها المحامي انتقل الى الوقائع فالمحكمة تعرف القانون !!! (9)  و(ان من سجايا المحامي ان يكون صالحا وحرا وخاليا من كل غرض وان يتسلك بالرفق والاعتدال وان يكون ناصحا وصادقا مع رفقائه ويجب ان تكون مآربه في مصلحته عبارة عن مساعدة المحاكم باعمال العدل وان يحترم الحكومة وجميع المحاكم ومن الواجب ان يتحرك المحامي بكمال الاحترام لدى جميع المحاكم والحكام الذين يحضر امامهم وان لايغش المحكمة عن علم واختبار بحيث تعطي قرارا يعرفه انه غلط وان لايستعمل اهانات واستهزاءات شخصية على احد الخصوم او وكلاءهم وان يتحذر عن القذف على شرفهم وناموسهم الا اذا كان ذلك من مقتضيات الدعوى ...) (10)  ذلك ان ماتفرضه مهنة المحاماة من قواعد واصول عبر تاريخها الطويل ومن تقاليد وآداب تحدد البعد الذي يترتب على المحامي ويمتزج في التزاماته عند القيام بتنفيذ ما اوكل اليه رغم ان التزامه هو في واقع الحال التزاما ببذل عناية وليس التزاما بتحقيق غاية لانه لايملك سلطة اصدار القرار الذي يملكه القاضي لوحده وانما دوره يتحدد بكشف وايضاح جوانب القضية المعروضة على القضاء تحقيقا للعدالة ومراعاة للمصلحة العامة ..
     (ان دور المحامي في اظهار العدالة وابرازها يجد له مكانا في ضمير المحامي وفكره الناضج شأنه في ذلك شأن حالة في شخصية القاضي وضابط الشرطة وحيث ان المحامي افصح لسانا – او ينبغي ان يكون كذلك – من الموكل واقدر منه بيانا للحجة في سبيل الوصول الى الحق مما يتوجب عليه بسبب مسؤؤليته عن هذا الدور وثقافته القانونية وخبرته التي اكتسبها والثقة التي وضعت فيه ان يتجنب مواطن الزلل في السلوك ...)(11) ، ان المركز القانوني للمحامي ومدى الواجب الملقى عليه لايسمح باغتفار أي تقصير يصدر عنه لان عدم مراعاة الواجبات التي تقتضيها المهنة بالدفاع وصولا للعدالة المنشودة يعد اغفالا كبيرا في تحقيق العدالة ... وقد جاء ت تلك التوصيات من بين قواعد السلوك المهني التي اصدرتها نقابة المحامين في العراق والتي نصت ايضا على : (كل مخالفة لهذه التعليمات تستوجب محاسبة المحامي وفق احكام قانون المحاماة النافذ وتعديلاته )(12) .
     لذا فيااخي المحامي فانت راية الحق الخفاقة التي تلوح في سوح المحاكم وانت عنوان مسيرة المظلوم والآخذ بطريقه نحو شاطئ العدل واخيرا وليس آخرا لاأقول الا كما قال عز من قال : ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) (صدق الله العلي العظيم)
    
                                                                      القاضي
                                                                      رياض محسن الامين


الهوامش
ـــــــــــــــــــــــــــ

1-  المحامي عبد العزيز السهيل ، في مسلك المحاماة  ، محاضرات القيت على طلبة كلية القانون والسياسة في جامعة بغداد في 2/3/1974 ، طبع مطبعة الجامعة ، بغداد ص5
2-  المحامي عبد العزيز السهيل ، في مسلك المحاماة  ، محاضرات القيت على طلبة كلية القانون والسياسة في جامعة بغداد في 2/3/1974 ، طبع مطبعة الجامعة ، بغداد ص6
3-  المحامي عبد العزيز السهيل ، في مسلك المحاماة  ، محاضرات القيت على طلبة كلية القانون والسياسة في جامعة بغداد في 2/3/1974 ، طبع مطبعة الجامعة ، بغداد ص8
4-  المحامي عبد العزيز السهيل ، في مسلك المحاماة  ، محاضرات القيت على طلبة كلية القانون والسياسة في جامعة بغداد في 2/3/1974 ، طبع مطبعة الجامعة ، بغداد ص9
5-    قواعد السلوك المهني ، نقابة المحامين ، جمهورية العراق ، بغداد /1987 ص8
6-    قواعد السلوك المهني ، نقابة المحامين ، جمهورية العراق ، بغداد /1987 ص 5
7-    قواعد السلوك المهني ، نقابة المحامين ، جمهورية العراق ، بغداد /1987 ص13
8-    الصيغة المثلى لمراجعة المحامين لمؤسسات العدالة الجنائية ، مديرية الشرطة العامة و نقابة المحامين
9- د.آدم وهيب النداوي ، شرح قانون الاثبات ، جامعة بغداد ،  كلية القانون والسياسة ، 
      محاضرات مسحوبة على الرونيو ، 1982- 1983 ص23
10-قانون المحامين لسنة 1981 (7) منه
11- فن القضاء ، المحامي الدكتور صالح محسوب ، بحث للقاضي وللمحامي في دراسة 
      الدعوى وكيفية الحكم فيها ، مطبعة العاني ، بغداد ، الطبعة الاولى ، ص 12
     12- قواعد السلوك المهني ، نقابة المحامين ، جمهورية العراق ، بغداد /1987 ص 24 
       ،   البند (تسعة عشر)

 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق