الخميس، 10 مارس 2016

الصداق بين المهر والمهرين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المهر : ما اوجبه الشارع من المال بالزواج حقا للمراة على الرجل في مقابل منافع البضع , اما بالتسمية واما بالعقد , وهو يجب للزوجة شرعا بمجرد العقد الصحيح عليها سواء سمي ام لم يسم (5) , وقد شرعه الشارع المقدس باعتباره عطاء من الرجل للمراة وهدية لازمة على التراخي لا على الفور من الرجل دون المراة وليس بدلا كالثمن للسلعة والاجرة للمنفعة (3) باعتبار ان الكسب على الرجل دون المرأة لذا كان طبيعيا ان تكون التكاليف المالية عليه اذ  يقدم ذلك في مطلع الحياة الزوجية للتعبير عن المودة والاخلاص باعتباره اثر من اثار العقد في الزواج الصحيح وحكم وليس ركنا او شرطا فيه(4) , وهو على هذا واجب على الرجل لزوجته بمجرد العقد الصحيح , دخل بها ام لم يدخل , لقوله تعالى : (فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة) و (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) , وفي ذلك دليل واضح على وجوب المهر .
     ويختلف الفقهاء في سبب الوجوب فمنهم من يرى ان المهر يجب بالعقد لان الملك يحدث بنفس العقد , او ان المهر واجب بمقابلة الملك لذا وجب والحال هذه ان يخلف العقد ويعقبه وهذا راي اخر ,  وللزوجة ان تطالب به كلا او بعضا او ان تتنازل عنه كلا اوبعضا ولها ان تعجل بعضا منه وتؤجل الاخر او تطالب بكله اذا لم ينص في العقد على التعجيل كلا .
     ونحن في صدد ذلك لانود الولوج في موضوع احكام المهر في الشريعة الاسلامية لما في ذلك من بحر ليس له قرار وفي كتب الفقه من الفريقين وما وضعت من احكام هي وليدة الاجتهاد والبحث المستمدين من احكام الشريعة من حيث تعريفه , وادلته واسباب وجوبه ومقداره وما يصلح ان يكون واقترانه بوصف او شرط  او لمن يعود الحق في المهر وحالات استحقاق نصفه او كله اوحالات سقوطه وغير ذلك مايغني الباحث , مستلهما ذلك من مناهل الشريعة السمحاء وعلى راسها الشارع المقدس متمثلا بالقران الكريم واراء الفقهاء وفتاواهم وبحوثهم الفقهية المستندة اليه , وما تمخض ذلك في القوانين الوضعية عن مواد شرعت ووضعت موضع التطبيق لتتناولها سوح القضاء .
     الا انه ومن الجدير بالذكر- وهو صلب بحثنا هذا- انه اذا كان لاختلاف بعض من الفقهاء في بعض من احكام المهر واتفاق البعض الاخر في جانب اخر منه له مايبرره باعتبار ان الاجتهاد قائم على قدم وساق كل يرى الحكم وفقا لرايه واجتهاده مستندين في ذلك الى احكام الشريعة السمحاء من منابعها الثرة الغنية لكننا لانرى مايبرر تضارب تسمية ذلك الواجب(الصداق) بين المهر والمهرين فالمهر قد يعجل كلا و قد يؤجل كلا او قد يعجل بعضا و يؤجل الاخر وعند عدم النص على ذلك يتبع العرف (2) اذ ان من ثمرة تعجيل المهر او بعضه ان المراة اذا جعل لها زوجها معجلا ثم لم يدفعه اليها كله تملك ان تمنع نفسها من دخوله بها وليس للزوج ان يطلبها للطاعة ولا ان يمنعها من زيارة اهلها او السفر , حيث يعتبر امتناع الزوجة عن مطاوعة الزوج بحق مادام المذكور لم يدفع لها معجل مهرها ...(1) اما اذا كان المهر كله مؤجلا او كان الرجل قد سدد للزوجة كل معجلها سواء كان المهر يكامله او كان ماجعله معجلا منه فعلى الزوجة اطاعة زوجها في كل حال وليس لها ان تمنع نفسها من دخوله بها وليس لها ان تخرج من بيته دون اذن منه وذلك لان تسليم المهر اليها قبل الدخول بها حق لها فان رضيت بتاجيله كله فهذا يعني انها اسقطت حقها ولم يعد لها ان تحبس نفسها عنه .
     اما اذا كان المهر كله او بعضه معجلا ولم يدفعه الزوج اليها ودخل بها او اختلى بها خلوة صحيحة برضاها فلها ان تحبس نفسها وتمنع زوجها من الدخول بها .
 لذا ومما تقدم نجدا ان من اسماء المهر (الصداق , النِحُلة , الاجر , الفريضة , العَقرُ ) ولما كان دليل وجوبه قوله تعالى (فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة) لذا فان ذلك هو دليل عدده مفردا ليس الا , وكذا يستشف ذلك من تعجيله او تاجيله كلا او جزءا اذ لا يمكن ان يتعدد المهر والقول بعكس ذلك هو اختلاق على الشريعة التي نهل منها القانون الوضعي احكامه منها ايضا ولا نجد بين احكامه مايدل على تعدد للمهر الا ان الواقع العملي المتمثل بنصوص القانون وكذا سوح القضاء اظهر عكس ذلك حيث نجد نصوصا شرعت واحكاما عديدة صدرت من القضاء العراقي اوجدت للمهر الواحد مهرا آخرا...! ولا نعلم لذلك دليل فاذا كان في القانون الوضعي مايمنع الاجتهاد في مقابل النص فماذا عسى ان يكون الاجتهاد في مقابل النص القرآني ...!!؟   
ومثال ذلك مانصت عليه المادة الحادية والاربعون /الفقرة 4 /ب من قانون الاحوال الشخصية النافذ : (اذا تم التفريق بعد الدخول يسقط المهر المؤجل ، اذا كان التقصير من جانب الزوجة ....اما اذا ثبت ان التقصير واقع من الطرفين فيقسم المهر المؤجل بينهما بنسبة التقصير المنسوب لكل منهما ) وقد تكرر ذلك في الفقرة ذاتها /ج  بنصها : ( ...... تلزم برد ماقبضته من مهر معجل ) وقد ناقض المشرع نفسه في العديد من المواضع الاخرى في القانون المذكور حين اقر للمهر عددا واحدا ولم يجعله مهرين ولانعلم ان كان عنده الامر سواء ام ان الصحة في احدهما وبالتالي فما مصير الاخر ؟؟؟ هل هو خطأ لفظي ام تعبيري ام تشريعي ؟؟؟ وهل يجوز ترك ذلك دون تعديل ؟؟؟      ومثال ذلك ايضا ما نصت عليه الكثير من قرارات محكمة التمييز القديمة منها والحديثة على حد سواء :(لاتستحق الزوجة مهرها المؤجل ان كان الطلاق رجعيا ...)(6) حيث اعتبر المهر , مهرين ، معجل واخر مؤجل وكان الاصوب ان يذكر (لاتستحق الزوجة مؤجل مهرها ان كان الطلاق رجعيا ...) ليعني ذلك ان المهر واحد لاغير سواء كان معجلا ام مؤجلا (في كل او جزء منه) اذ ان في احكام قواعد اللغة العربية وما يترتب عليها معانٍ عند صياغةِ الكلامِ , وكذا (يحكم بالمهر المؤجل اضافة للتركة )(7) , و (اذا استحصلت الزوجة حكما بمهرها المؤجل ...)(8) , و (يجوز الحكم بالمهر المؤجل على مدير اموال القاصرين...)(9) و (اذا كان عقد الزواج ينص على دفع المهر المؤجل عندالمطالبة...) (10) وكأن المهر المدفوع للزوجة هو مهرين مهر معجل واخر مؤجل وليس مهرا واحدا البعض منه معجل والاخر مؤجل ! , اذ كان من المفروض ان ينص القرار على (مؤجل المهر) وليس (المهر المؤجل) لان الاول يعني ان المهر واحد وله مقدم وله مؤخر اما الثاني فيعني ان المهر مهران معجل والاخر مؤجل , وشتان بين الاثنين لكل من يضطلع في قواعد لغتنا الجميلة لغة القران , وكذا الحال في القرار التالي (فعلى المحكمة الحكم بالتفريق بين هذه الزوجة في وزوجها المفقود غير الداخل بها لان المهر المعجل المسجل في عقد النكاح ........)(11) ولمن اراد المزيد فهناك العديد العديد من قرارات محكمة التمييز التي جعلت من المهر الواحد وهو مايسمى بالصداق او كما عبر عنه البعض بانه(ثمن الدخول بالمراة) جعلت منه مهرين وهو ماينافي الشرع والقانون ولغتنا السليمة التي لابد من توافرها بمن يضطلع بمهمة التشريع او مهمة الرقابة على قرارات المحاكم الدنيا ذلك لانها ان دل اتقانها على شئ انما يدل على ملكته بمعاني تلك اللغة التي لايجوز الاجتهاد او التصرف بها وفقا لما يجر به لسانه ومن خالف ذلك انما لايقوى على قراءة دستوره القويم الذي شرعه الشارع المقدس (القران الكريم) ولايفهم معناه وبالتالي لايفهم احكام دينه على الوجه الصحيح ! وما عساه ان يفهم اذن ؟ وهنا الطامة الكبرى .
     لذا والحالة هذه نعلن من هذا المنبر ان لغتنا العربية وهي لغة القران الكريم هي ليست ملكا لاحد كي يجر بها كيفما شاء فقد جعل الله حفاظها في قرانه المجيد ولولاه لماتت اللغة ودرست في باطن الارض واصبحت تاريخا نقصه على من يخلفنا من الاجيال  قصصا وحكايات كحكايات الف ليلة وليلة .
     فيا اخوتي الاعزاء(قضاة ومحامين وكل من يعنيهم ذلك) ... لنرفع من شاننا بالحفاظ على لغتنا الجميلة بالتعرف على قواعدها واصولها وما استعرضنا من هفوة لغوية لم تكن الا حجرا واحدا من جدار طويل اذا تصورنا ان ذلك هي اخطاؤنا وهفواتنا وجرمنا بحق لغتنا التي هي امانة في اعناقنا بما تحمله من مسؤؤليات توجب علينا اتقانها للوصول الى حقيقة القول المقول , ولا اخال ان في ذلك نقصا او انتقاصا من قدر او هيبة  من يقع على عاتقه اصدار تشريع ما او اصدار قراره الحكمي ان يعرض ذلك على مختص باللغة رغم ان في ذلك عيب واضح ان يصدر هو قرار ويصوغه بعبارات خاطئة لغويا حتى تنتقل العملية لاخر ليقوم بالتصحيح فمن ياترى منهم العربي ؟ من اصدر التشريع او القرار ولم يتقن صياغته ؟ ام من عرض عليه ذلك التشريع او القرار لتصحيحه ؟ اولم يكون الاثنان عربيين ! ؟ فلم اخطا الاول واصاب الثاني ! ؟ فالعربية بصياغتها اللغوية النحوية اذن واجب على كل عربي مهما كان اختصاصه سيما الاختصاصات الانسانية , فما بال القارئ الكريم لو ان مطلع على اصول لغتنا الجميلة لايمت للامة العربية بصلة – وما اكثر ذلك في جامعات العالم – ان يطلع على مايكتبه العربي في شتى العلوم الانسانية وقد ابتعد الاخير عن اصول و قواعد لغته التي طالما ضاع معناها جراء ذلك ؟ وما بال المختصين بالقانون من الغربيين حين يطلعوا او تعرض عليهم مثل تلك التشريعات او القرارات حتى يبدو لهم ان الاسلام جعل من الصداق مهرين مهر معجل واخر مؤجل وهو مالم ينزل الله به من سلطان ؟؟؟ .      
                  


الهوامش
ــــــــــــــــــــــــــــــ
1-    انظر المادة 23 / احوال شخصية
2-    انظر المادة 20 / احوال شخصية
3-  احكام الاحوال الشخصية في الشريعة الاسلامية ومايجري عليها العمل في المحاكم الشرعية الاسلامية اللبنانية – الشيخ حسن خالد و د. عدنان نجاص 91 , بيروت ,1964
4-  احكام الاحوال الشخصية في الشريعة الاسلامية ومايجري عليها العمل في المحاكم الشرعية الاسلامية اللبنانية – الشيخ حسن خالد و د. عدنان نجاص 91 , بيروت ,1964
     5- م/ 74 من كتاب الاحكام الشرعية في الاحوال الشخصية على مذهب الامام ابي حنيفة – منشورات دار  
         الافاق الجديدة – بيروت
     6- قرار محكمة التمييز 155/شرعية/63 في 23/7/63 منشور في (المبادئ القانونية في قضاء محكمة  
         التمييز – في قسم الاحوال الشخصية – اعداد ابراهيم المشاهدي - 1989
     7-  قرار محكمة التمييز 108/شرعية/63 في 12/3/63 منشور في (المبادئ القانونية في قضاء محكمة  
         التمييز – في قسم الاحوال الشخصية – اعداد ابراهيم المشاهدي - 1989

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق